الخميس، 14 مايو 2009

كباب (7)

قال أبو مروان:

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله الذي لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، والصلاة والسلام على أفضل الخلق المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:

فإني بعدما طال بكم المقام، عزمت على أن أسأل أصحاب الرأي والتجربة عن رأيهم في أطايب الطعام، فلجأت إلى جدي، أكرمه الله وأطال في عمره، وقد جمع الله له مع رجاحة العقل طول التجربة، وقد قال أهل الأمثال من الصالحانيين: اسأل مجرباً ولا تسأل "حكيم".
قلت لجدي: أفتنا في الطعام والشراب، أيهما أطيب: الكردنبل أم الكباب؟! فتبسم وأجابني: اعلم يا بني أني طوفت البلاد، وجبت الآفاق، فما وجدت بني آدم يختلفون في شيء اختلافهم في الطعام والشراب، وقد قيل: "كل مما تشتهيه نفسك، والبس مثلما تلبس الناس" ووجدت يا بني أنه ما استطابه أهل مصر من الأمصار لم يكد يسيغه أهل غيره من البلدان، ولكني والحق أقول، لم أجد في حمراء الأمم وصفرائها إلا ومن يستحسن ويستطيب السمك، وألذه فرخ الرملي الذي إذا ما أخرج من البحر طازجاً، وطبخ بالفرن حتى يسيل الدهن عن جانبيه، ثم تبّل تتبيلة السمكة الحرة وقدم مع أرز الصيادية، فإنه يسر ويعجب جميع القوم، حتى لا يختلف في الإعجاب به إثنان، ومهما تفرقت بالناس الأهواء في الطعام، اجتمعوا على حب السمك وتفضيله على غيره.
قلت: فما قولك يا جدي فيمن اختلف على فضل ما بين الكباب والكردنبل، وجعل الدعوة إلى الوليمة لمن يأتيه بالقول الفصل؟
قال: أما والله إن صاحبك هذا لماكر، وما أحسن ما تخلص، فوالله لن يتفق الناس على فصل ما بينهما إلى يوم يبعثون، واعلم أن الخلق لا يزالون في اختلاف، وأنه لو كان كريماً كما تقول لدعاكم إلى ما شاء من الأصناف، ولو علم أن رضى الناس غاية لا تدرك، لجعل على مائدته بعضاً من السمك، فإنه لن يختلف عليه اثنان، ولن ينتطح فيه عنزان، ولو اقتصر على السمك لقام عنه الناس شاكرين، ولدعوا له أجمعين: "اللهم أخلف على من بذل، وهيئ لنا غيره في العجل العجل"
قلت: يا جدي، فما العمل؟
قال: ليس أمامك إلا أن تفعل ما فعله أبو يوسف القاضي. قلت وما فعل؟ قال: ذكر أبو منصور الثعالبي أن هارون الرشيد وزبيدة اختلفا في الفالوذج واللوزينج، أيهما أفضل؟ ثم تحاكما إلى أبي يوسف القاضي، فقال أبو يوسف: إني لا أحكم بين غائبين، فأحضروهما أحكم عليهما!
وللقصة تتمة، نقصها عليكم إن صدق ابن خنشور فيما عزم عليه من نيته، وأنجز لنا ما كان يصفه من دعوته.
وإلا... فإن معشر حكيم سيدعون الله في ليلة القدر، من أجل أن يبعث أبا عثمان الجاحظ من قبره، ليكتب لنا فصلاً جديداً في كتابه: البخلاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق