الخميس، 14 مايو 2009

كباب (6)

قال الحكيم السبيعي*:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فقد راعني ما شهدت من حرص على التأ صيل والتدقيق و التمحيص في أمر ذي جلل يحار فيه اللبيب و يخطئ فيه الاريب. و من تمازجت حليمات ذوقه بالطعام تمازجا وتعانقت مع أريج الغذاء تعانقا، أبى إلا ان يجد الفصل في القول و الحق بين الآراء، على أن الاختلاف غير مفسد للود أو باعث لضغينة.
و إني مبلغكم فاسمعوا عني، لاأبتغي بذلك إلا مثوبة من لاتضيع الودائع عنده، و إني رغم ودي للعلامة ابن أحمد لكني خبرت أهل الغرب والشرق، وأكلت من طعامهم و شربت من شرابهم، حتى عرض علي هذا الكوردون و حسبته ما كان يظنه أخونا ابن أحمد طيبة من أطيابهم وفلتة من فلتاتهم و شيئا آخر غير ما عهدناه، يطرب للقائه اللسان، وتنتشى به الأمعاء، و تسكر به الجنان.
تناولت أول قضمة وكأني أمضغ مطاطا عجن بتراب فاسد! فقلت في نفسي: هون عليك و دع الحكم للقضمة الثانية، فإن الله لايحب المتعجلين وفي التأني السلامة. ولعلك إن تركت لحليمات ذوقك العنان تسبح فى أفق التلذذ و المعاينة والكشف تأتي بما لم يبصره الكثيرون من بديع الخلق وحسن الصنع. و ما أن هممت بالثانية حتى لاح لي في الصحن لون لم نك نألفه في الكوردون، وفي لحظتها هاج بي غثيان عظيم، وصرت أدافع ما بقي في فمي لئلا يصل إلى جوفي. وما كدت أصدق أن الدجاج قد مزج بلحم خنزير، وأن النجس كاد يمر إلى جوفي. فقمت وقد عافت نفسي كل طعام، و لساني يلهج بالاستغفار. وأنا أحلف من يومها ألا أدع لهذا الكوردون سبيلا إلى فمي، حتى و إن تيقنت من مصدره و معجنه إلا أن يخرجني ربي من بلاد لايذكر فيها اسمه أو تراعى فيها حرمته.
وهكذا آل بي المآل أن لا أسرع في طعام الفرنجة ولا أثق بمستظرفهم إلا ما قل و ندر. و الحمد لله الذي جعل في الأمة من يصنع كبابا يحار فيه الحكيم ويهرع إليه أهل الشرق والغرب، و من زهد فيما يديه إبتغاء ما في يد الناس ألبسه الله لباس الجوع و الندم. فهل من مبلغ عني؟ اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
_____________________________
* هو الطبيب الأريب، و الصديق الحبيب، الدكتور عمر السبيعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق